تشكّل مقالة سمو الامير الحسن بن طلال المنشورة في «الرأي» يوم الاحد الموافق للثالث من كانون الثاني الحالي, تحت عنوان: «تعزيز الحوار والتكافل والسلام في مواجهة التطرف» انعكاساً أو ترجمة لكفايتين متلازمتين عرفهما الاردنيون والعرب في شخصية سموه هما: الكفاية الفكرية والكفاية السياسية. ونحن نستذكر هنا «الصاحب بن عبّاد» الذي لُقّب بذي الكفايتين وصاحب الرياستين, كما نملك ان نقول إن هذه الصفة إنما تنطبق اليوم, في أمة العرب, على سمو الامير الحسن بن طلال, بتجربته السياسية الطويلة وتجربته الفكرية العميقة. والدليل القائم أو الشاهد القريب على ذلك هو هذه المقالة الجامعة التي ينبغي نشرها مفردة في كرّاسة مستقلة, وأن نترجمها الى اكثر من لغة, لما تشتمل عليه من حقائق تتعلق بالاسلام من حيث هو رحمة للعالمين, وبالاردن من حيث هو وريث أدبيات نهضة الامة العربية في الازمة الحديثة, ثم بالعالم الواسع الذي يجعله سموّه على بال منه دائماً, وفي إطار من تصوّره الشمولي.
إن هذه المقالة التي ننظر اليها بصفة كونها «رسالة الحسن بن طلال الى الامة والعالم» ترسم أفقاً متراحب الابعاد للمتنورين من المشتغلين بالفكر أو بالاصلاح او بكليهما, ويمكن لمعانيها ان تتنزل على برامج تربوية وتثقيفية للشباب, وعلى ملتقيات لأهل الحل والعقد من العرب والمسلمين وللنخب فيهم.
وعلى أن مقالة سموّه تقع في صفحات معدودات الا أنها لاحتشادها بالمضامين ووجازة عباراتها يمكن بسطها في كتاب قائم بذاته. ولعل سموّه قد ارادها مفاتيح للنظر أو شذرات منبّهة توجّه العقول الى ما ينبغي لها انتهاجه وهي تتدبر ظاهرة التطرف في عميق اشتباكها بالواقع في شتى مستوياته, أو وهي تنظر في الطرائق التي ينبغي اعتمادها لمواجهتها.
من اجل ذلك فإن قصارانا من هذا الحديث هو أن نتوقف عند مقاطع (نعتبرها محاور رئيسة) من هذه الرسالة, وأن نتنوّر اقباساً منها تكون علائم وصوى يستهدي بها (وينعم النظر فيها) رجال الفكر ورجال الاصلاح في بلادنا على حد سواء.
أولاً: يضع سمو الامير ظاهرة التطرف في سياقاتها الاجتماعية والاقتصادية والتربوية, إذ هي قائمة في بيئة يمكن رصد حيثياتها, وليست نبتاً شيطانياً ما له من قرار.
ثانياً: يعوّل سمو الامير, في رؤيته لكيفية مواجهة هذه الظاهرة, على ما يسميه: (الأمن المتكامل) الذي «هو انساني وطبيعي, ويأتي قبل أي اعتبار آخر, بمقتضى قوله تعالى: «فليعبدوا ربّ هذا البيت الذي اطعمهم من جوع وآمنهم من خوف».
ثالثاً: يؤكد سموّه أن سوء فهم الاسلام, في تعاليمه السمحة وفي تجربته الحضارية, وتقاصر عقول بعضهم عن ادراك معطيات نهضة العرب الكبرى التي اطلق أنوارها الشريف الحسين بن علي اوائل القرن العشرين, وعن متابعة ما انجزه روّاد الفكر العرب اواخر القرن التاسع عشر, قد احل مسألة الذات والآخر في غير محلها الحق, إذ لا تعارض بين الاصالة الذاتية للأمة وبين مطالب التحديث, او بينها وبين ثقافته التي يفترض انها «لا تعتمد على الاقصاء والغاء الاخر, وتستلهم من التراث ما يجعل للتحديث والحداثة هوية».
رابعاً: يؤكد سموه ان من اكثر اسباب ظاهرة العنف حضوراً ذلك الانغلاق الفكري أو ضيق العطن المذهبي الذي يسوّغ لبعضهم «احتكار» تمثيل الحقيقة على نحو ما يرونها, ثم «تكفير» من لا يوافقونهم, ثم الضرب على أي إمكان للحوار معهم بالأسداد.
خامساً: يشير سموّه, في «الماعة» منه – لا ريب ان بسط دلالاتها يطول – الى ضرورة توافر «المثل الاخلاقي» الذي ينبغي ترسّمه أو ما يسميه سموه «التصدي بالقدوة والريادة» إذ لطالما كثر التنظير والكلام في حياتنا الثقافية والسياسية والاجتماعية, في حين ندر وجود الانموذجات الاخلاقية والمعرفية.
سادساً: (ولا اقول اخيراً) يرى سموه ضرورة وحدة صف تلك الامة المنتدبة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وذلك لأن «الابتعاد عن اسباب الفرقة يفتح أمامنا آفاق الرسالة السماوية التي جاءت رحمة لبني البشر».
وبعد, فهذه وقفة عجلان مما سمح به الزمان, وهي لا تفي بحال بالتعبير عن أثر رسالة الحسن بن طلال وبعيد (وعميق) ما ترمي اليه, فعسى الله أن يحفظ لنا سموّه, وأن ينفعنا بخطابه الموزون, وبمحض نصحه لأمته وبأنموذجيته الاخلاقية, فما أشد حاجتنا لهذا كله, وما أبلغ افتقارنا اليه.
 

http://www.alrai.com/article/760711.html