• حظنا في الفترة الأخيرة تزايد المخطوطات المفبركة والإصدارات المطبوعة التي تستهدف العبث بتاريخ المنطقة وعلينا مواجهتها
  • إيران تشهد تزايداً في عدد المطابع للإصدارات باللغة العربية بأسعار بخسة لكتّاب عرب مسيئين لبلدانهم أو حتى بأسماء وهمية
  • من أهم إنجازاتنا مؤتمر «تاريخ التسامح المذهبي» في البحرين الذي تحدث خلاله ممثلو الطوائف في البلاد ومن ضمنهم البهائية لأول مرة
  • الظهور المبكر للتعليم وترافقه مع كون البحرين مركزاً مالياً وتجارياً أعطى مجتمعها صبغة «كوزموبوليتية»
  • البحرين مستمرة كنموذج للتقدم الثقافي والتسامح.. فنحن لا ندعو إلى تقارب المذاهب بل إلى التعايش واحترام الآخر ومذهبه
  • في خضم «الحرب الباردة» في المنطقة لن نحيد عن مبادئنا بالدعوة إلى التسامح والتعايش السلمي
  • في 28 مايو سننظم مؤتمراً لتحصين الشباب ضد التطرف يتحاورون فيه بأنفسهم
  • الرقمنة وتلخيص الكتب مسؤولية مهمة لتعزيز ثقافة الأجيال المستقبلية

أجرى الحوار: محمد بسام الحسيني

في مملكة البحرين بلد الثقافة والحضارة افتتح جلالة الملك حمد بن عيسي آل خليفة عام 2008 مركز عيسى الثقافي التابع للديوان الملكي ليكون منارة من منارات الثقافة بالعالم العربي تحمل اسم قائد عزيز ذي مكانة رفيعة في تاريخ المنطقة.

حوارنا اليوم مع نائب رئيس مجلس الأمناء - المدير التنفيذي للمركز الشيخ د.خالد بن خليفة آل خليفة على هامش زيارته الى الكويت لتوقيع مذكرات تعاون وتفاهم مع المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في اطار جهود كبيرة يبذلها منذ توليه هذا المنصب الثقافي الرفيع بهدف تحقيق الاهداف الاساسية التي أنشئ من اجلها المركز.

أخبرنا د.خالد بن خليفة كيف تأقلم المركز وتعامل مع التحديات التي شهدتها منطقتنا في السنوات الاخيرة لاسيما تلك التي تواجه شبابنا وفي مقدمتها أخطار الإرهاب والتطرف التي تستلزم مواجهتها ثقافيا وتوعويا بالدرجة الاولى.

وفيما يلي نص الحوار:

د.خالد، نود في البداية الحديث عن اهداف المركز وما تحقق منها؟

٭ يشتمل مركز عيسى الثقافي على المكتبة الوطنية والارشيف الوطني، ومكتبة الطفل والمكتبة الالكترونية وغيرها العديد من الادارات الثقافية، هدفنا الارتقاء بالمستوى الثقافي والتوعوي للمجتمع البحريني بشكل خاص والمجتمع العربي بشكل عام.

حصل المركز على المرتبة الثامنة إقليميا بين افضل المراكز الثقافية في منطقتنا من خلال تقييم سنوي أجراه مركز الامارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، وهي مرتبة متقدمة، كما ننظم ندوات ومؤتمرات وحلقات نقاشية محلية وعربية تركز بشكل رئيسي على توعية الشباب ضد التطرف وتعزيز قيم التسامح الديني والتعايش الانساني بين مختلف الأديان والطوائف.

 

هل فرضت الاحداث السياسية المشحونة في المنطقة نفسها على عمل المركز وتوجهاته؟

٭ بلا شك ان القضايا السياسية تأخذ اليوم الاهمية القصوى في مجتمعاتنا العربية التي تستشعر خطر الإرهاب والاعتداءات الخارجية، نحن نؤمن بأن السلاح الأول للدفاع عن النفس ضد الإرهاب والتطرف هو السلاح الثقافي حيث ندعو دائما الدول إلى تخصيص جزء مما تنفقه عسكريا على الثقافة ايمانا بقدرتها على التوعية. لن نتمكن من القضاء على الإرهاب بالأسلحة التقليدية بل ان السلاح الثقافي أمضى وأقوى.

لننظر الى الإرهابيين انفسهم وكيف انهم يستغلون الوسائل الحديثة لنشر افكارهم وافساد عقول أبنائنا الذين تعبنا على تنشئتهم وتربيتهم، وتتزايد المسؤولية علينا اليوم لتحصينهم بوجه محاولات غسيل المخ التي يواجهونها.

 

يحظى التوثيق التاريخي بأهمية كبرى، فإضافة لكونه ارثا مهما هو سلاح قانوني مهم، ماذا عن جهود المركز في مجال التوثيق وكذلك في مجال الطباعة والنشر؟

٭ مركز الوثائق التاريخية التابع لمركز عيسى الثقافي مهتم بالحفاظ على كل ما يتعلق بتاريخ البحرين وكل ما يُطبع اليوم.

وقد لاحظنا في الفترة الأخيرة تزايد المطبوعات المفبركة في شكل كتب أو مخطوطات مزورة تنشر ورقيا والكترونيا لكي تعبث بتاريخ المنطقة، وتعمل على خلق المشاكل بين دولها ومجتمعاتها. هناك تعاون بين مراكز الدراسات والبحوث خاصة الخليجية لحماية الوثائق والمخطوطات والمطبوعات التاريخية والرسمية بحيث لا يسمح لاحد بالعبث بها، الى جانب تبادل المعلومات حول ما يُفبرك ويطبع في بعض الدول الاقليمية بوجه خاص.

كما لوحظ مؤخرا ازدياد عدد المطابع التي تطبع اصدارات باللغة العربية في ايران بأسعار بخسة ولكتاب عرب مسيئين لاوطانهم أو بأسماء وهمية وتحتوي هذه الإصدارات على معلومات مفبركة ومزورة.

وفي البحرين تصلنا كتب مطبوعة في ايران وتطلب رقم ايداع بحريني وهذا دليل على ان تكلفة الطباعة في إيران بخسة جدا أو مجانية في كثير من الأحيان ولأهداف معروفة.

 

هل للمركز دور مباشر في الصراع الإقليمي و«الحرب الباردة» الدائرة في الشرق الأوسط؟

٭ في خضم الصراع لن نحيد عن مبادئنا في مركز عيسى، وهي الدعوة الى التسامح والتعايش السلمي بين الأديان والسعي الى السلام أينما وجدت فرصة لذلك. وكل المؤتمرات والجهود التي نبذلها تصب في هذا الاتجاه.

وأفخر بأنني أنتمي إلى مجتمع من مجتمعاتنا الخليجية المنفتحة والتي تركز على الثقافة من اجل التعايش والتسامح بعكس ايران التي تستخدم ملحقيات ثقافية ومؤسسات ثقافية واعلامية تنشئها بالدول العربية لزراعة التفرقة والمذهبية فهي تهدف الى تفكك المحتمعات العربية ليسهل اختراقها، ولعل ما اكتشفته بعض الدول مثل السودان يعتبر دليلا قاطعا على أن هذه الموسسات الثقافية الايرانية ما هي إلا أوكار مخابرات تتبع الحرس الثوري وتنفذ مخططا واضح المعالم. لذلك يجب التركيز على الثقافة كسلاح رادع ضد التدخلات الايرانية من خلال توعية الشباب العربي باهدافها التوسعية بحجة المذهبية.

 

هل هناك إنجازات تفتخرون بها؟

٭ بالتأكيد، وشخصيا أفتخر بنجاح المؤتمر حول تاريخ التسامح المذهبي والديني في البحرين، فقد كان مؤتمرا فريدا من نوعه لأن ممثلي الطوائف أنفسهم تولوا الحديث عن تاريخ تواجد طوائفهم في البحرين من سنة وشيعة وهندوس وبوذيين ويهود ولأول مرة تابعنا حديثا عن تاريخ البهائية في البحرين. كما أعتز بالاهتمام بتحصين الشباب ضد التطرف، وفي 28 مايو سننظم مؤتمرا يحاضر فيه طلبة الجامعات أنفسهم للحديث عن مشاعرهم وأفكارهم وتجاربهم الحياتية مع التطرف.

وجدنا انه من الأفضل ان يخاطب الشباب أبناء جيلهم منا نحن وسنوفر لهم الفرصة لذلك.

 

يولي المركز اهتماما كبيرا للأطفال.. حدثنا عن آخر الجهود المبذولة في هذا المجال؟

٭ بالنسبة للأطفال وهم مستقبل المجتمع نركز على غرس قيم الوطنية وحب الأرض في وجدانهم والتسامح في نفوسهم، ونعمل على توسعة مكتبة الأطفال ومضاعفتها وزيادة الأنشطة لأننا نشهد إقبالا كبيرا وتعاونا مع المدارس للتشجيع على القراءة والاستمتاع بها وتوفير الحلول لصعوبات التعلم لدى الأطفال، وأحد المشاريع التي قدمناها للأطفال حمل عنوان «أنا أقرأ.. أنا أتطور».

 

نسمعك تدعو دائما للتوجه الى النشر الالكتروني هل فقدت الثقة في الطباعة التقليدية؟

٭ في الجانب الالكتروني تسعى المكتبة الوطنية الى الربط الالكتروني بين المكتبات الخليجية أولا والعربية ثانيا وتوحيد الجهود لرقمنة الكتب والمطبوعات حتى نتفادى الازدواجية وارتفاع تكلـــفة المشروعات. واستطاع المركز ان يوقع اتفاقيات تعاون مع مكتبة الاسكندرية والرابطـــــة المحمدية والمركز الملكي للدراسات الاستراتيجية في المغرب ومركز الإمارات للدراسات الاستراتيجية والارشيف الوطني في أبوظبي ومؤخرا مع المكتبة الوطنية في الكويت لتيسير مهمة الباحث العربي.

في البحرين يتزايد عدد الإصدارات ولكن ليست كلها مطبوعة وهذا طبيعي لان التوجه اليوم هو الى النشر الالكتروني، لأن الصفحات الالكترونية مختصرة تجذب القراء لان الوصول اليها اسرع وهي متوافرة في أي وقت بعكس الكتاب. من المهم ان تأخذ المكتبات الوطنية بالتطور الحاصل في الاعتبار حتى لا تكون متأخرة مع الاحتفاظ بقيمة الكتاب.

الرقمنة وتلخيص المحتوى هي الحلول المثلى للتعليم والتثقيف وتلخيص كم المعلومات الضخم الى جانب التمييز بين الحقيقي والمفبرك في المنشورات وهو ما نعمل عليه. كما أعود واكرر انه ينبغي الانتباه الى ان الأجهزة الموجودة على مدار الساعة بأيدي أبنائنا تحتوي على خطر كبير ان لم نحصنهم، لأن الإرهابيين يدركون انها طريقة للوصول اليهم، لذا علينا ان نكون السباقين، وألا نسمح لهم بالوصول الى عقول أبنائنا قبلهم.

 

صيغة المجتمع البحريني وقيمه كانت على الدوام نموذجا يحتذى به. هل تحافظ البحرين اليوم على هذه الصيغة رغم التحديات وعلى كونها سباقة في مجال التطور الثقافي، أم أن الأحداث قد أثرت سلبا عليها؟

٭ البحرين تستمر كنموذج في الحضور الثقافي وهو أمر تاريخي الجذور، بدأ منذ عام 1892 بمدارس خاصة، تلاها دخول المدارس الحكومية عام 1919 للأولاد ثم للبنات 1923، وهذا ما أحدث عمقا ثقافيا، ترافق مع كون البحرين مركزا ماليا وتجاريا أعطاها صبغة «كوزموبوليتية» وعزز انفتاحها على العالم الخارجي وتعايش الأديان والمذاهب فيها.

وهذا ما يفسر أيضا احتضانها لكل التطورات السياسية في العالم العربي من القومية العربية إلى الشيوعية والبعثية والحركات الإسلامية من الخمسينيات على أساس احترام الفكر وتعددية الرأي والتوجهات.

نحن نراهن دائما على شبابنا وأجيالنا المستقبلية ونؤهلهم للحفاظ على مكانة البلاد.

نحن لا ندعو إلى تقارب بين السنة والشيعة أو بين المذاهب، بل إلى التعايش والتسامح وقبول الآخر واحترامه، لا نريد أن يصير السني شيعيا والشيعي سنيا والمسيحي مسلما أو العكس، بل أن يحافظوا على أديانهم ومذاهبهم مع احترام الآخر.

 

العلاقات الثنائية بين دولة الكويت ومملكة البحرين تتسم بخصوصية شديدة كيف تنظرون إليها اليوم؟

٭ هي كما كانت وأقوى، وإرث يفتخر به الشعبان. تاريخيا كان البلدان دار لجوء لمواطني كل منهما. أي كويتي يريد اللجوء كان يختار البحرين وكذلك البحرينيون. وفي كثير من الأحيان كان حكام البلدين يتدخلون للتوسط ومعالجة الأمور.

نفتخر بعلاقاتنا مع الكويت وسنحرص دائما على تعزيزها ونقـــــل ذلك إلى أجيالنا المقبلة.