تركت زيارة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون وتصريحاته الغامضة أو التي تم تفسيرها على نحو إغراضي وقصدي، موجة من القلق حيال مخاوف توطين اللاجئين السوريين في لبنان، لاسيّما حين تتم الإشارة إلى مشروعات التشغيل التي ستعني بقاءً طويلاً نسبياً، ناهيك عن تأثيراتها المستقبلية بشأن تغيير التركيبة السكانية.
لبنان يعاني أساساً، تدهوراً في الخدمات التعليمية والصحية والبلدية، على نحو لم يسبق له مثيل، الأمر الذي زاد الطين بلة بخصوص مشكلات لبنان التي تكاد تكون مستعصية، والتي تبدأ من غياب رئيس للجمهورية منذ حوالي السنتين، إلى مشكلة النفايات المستمرة منذ ما يزيد على ثمانية أشهر، إلى الانقسامات الحادة بين تياري 14 و8 آذار، لدرجة تعطيل بعض مرافق الدولة الحيوية، إضافة إلى ملف مديرية أمن الدولة المعقّد ومتعلقاته بخصوص بعض الجماعات الإرهابية وأعمال العنف والتجسّس، وملف شركات الإنترنت غير الشرعية والمحميّة من بعض أصحاب النفوذ والاستثمارات، ولولا وجود مجتمع مدني قوي ومجتمع أهلي نشيط، لكنّا أمام انهيار شامل للدولة والمجتمع.

 

وكان وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل قد تغيّب عن استقبال الأمين العام للأمم المتحدة، رافعاً بعض التلميحات بشأن توطين اللاجئين السوريين، إلاّ بالتنسيق مع الحكومة السورية، الأمر الذي أثار ردود فعل ضدّه. وقال البطريرك بشارة الراعي في قداس عيد الفصح، إن لبنان ليست «أرضاً سائبة لتوطين اللاجئين السوريين»، وإن عدم حل قضيتهم، وبقاءهم في حالات بؤس وحرمان، يجعلهم عرضة للاستغلال السياسي والمذهبي، وخصوصاً من جانب المنظمات الإرهابية.
لكن موضوع التوطين ليس لبنانياً أو سورياً أو فلسطينياً معتقاً فحسب، بل هو موضوع عالمي بفعل حركة اللجوء العابرة للحدود والبلدان، ولاسيّما من بلدان الجنوب الفقير إلى الشمال الغني. لقد رفض اللبنانيون والفلسطينيون التوطين منذ الموفد الأمريكي دين براون عام 1967 وإلى بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة، أما اليوم فإن تبعاته وتداعياته تصبح فزاعة من وجهة نظر البعض، ومن وجهة نظر أخرى كابوساً يقضّ مضاجع اللبنانيين والسوريين على السواء، بسبب ارتفاع عدد اللاجئين السوريين، لاسيّما بعد إغلاق أوروبا لحدودها بوجههم.
رئيس الحكومة اللبنانية تمام سلام، رفض البحث في موضوع توطين اللاجئين السوريين في لبنان، مع بان كي مون خلال زيارته من حقوق سيادة الدولة، حيث استبق الأمر بحديثه عن رفض لبنان مبدأ التوطين، وتأكيده عودة اللاجئين إلى بلدهم.
وكان بان كي مون قد أكّد الطابع الطوعي للعودة وفقاً لاتفاقيات حقوق اللاجئين، وخصوصاً الاتفاقية الدولية لعام 1951 وملحقها لعام 1967، وأكّد مسألة الحماية الدولية للاجئين ما دام لا يمكنهم أن يحظوا بحماية بلدهم، لذلك فإن عودتهم منوطة بتغيير الأوضاع في بلدهم.
ولبنانياً فقد فسّرت بعض الأوساط رسالة بان كي مون، بأنها تأكيد للمخاوف عن نوايا إبقاء اللاجئين السوريين في لبنان، لاسيّما أن المجتمع الدولي حريص على تأمين برامج عمل تثبت وجودهم، وهو الذي ترفضه العديد من الجهات اللبنانية؛ لأنه سيؤدي إلى إحداث اختلالات مستقبلية في التركيبة اللبنانية الحسّاسة.
جدير بالذكر الإشارة إلى أن الأمم المتحدة رسمت خطة بشأن توطين الآلاف من اللاجئين السوريين بشكل جذري، بنقلهم من بعض دول أوروبا الجنوبية، إلى دول أوروبا الأغنى، وعملت بالضغط على الاتحاد الأوروبي للقبول ببرنامج تجريبي يستمر عاماً إضافياً، لكن ذلك لن يحلّ المشكلة، وخصوصاً للاجئين الموجودين لدى دول الجوار السوري.
لقد أسهم الصراع في سوريا، وهو يدخل عامه السادس، في تفاقم أزمة اللاجئين في شمال إفريقيا والشرق الأوسط، مثلما زادت من مشكلات لبنان وتركيا والأردن، ارتباطاً مع المخاوف من الصراع المسلح والعنف، وارتفاع معدلات الجريمة وانتشار المخدرات والاتجار بالبشر وتهريب العملة وغيرها.
وقد سعت الأمم المتحدة لتسهيل مهمة قبول اللاجئين، بالانتقال من أوروبا الجنوبية إلى أوروبا الشمالية، حيث تقضي قوانين اللجوء على اللاجئ تقديم طلبه في الحصول على اللجوء في أول بلد من بلدان اللجوء يصل إليه (من بلدان الاتحاد الأوروبي مثلاً الذي توقّع جميع دوله على اتفاقية حقوق اللاجئين الدولية).
وتعاظمت محنة اللجوء واللاجئين السوريين، الذين يختلف وضعهم القانوني عن النازحين، مثلما يختلف اللجوء عن الهجرة، الأمر الذي نحن معه بحاجة إلى التعاطي مع هذه المصطلحات بحذر ودقة، وتعرّف الاتفاقية الدولية لعام 1951 اللاجئ على أنه شخص موجود خارج بلد جنسيته، بسبب خوف له ما يبرره من التعرّض للاضطهاد، وبسبب العنصر أو الدين أو القومية أو الانتماء إلى طائفة اجتماعية معينة أو رأي سياسي، ولا يستطيع بسبب ذلك الخوف أو لا يريد أن يستظل بحماية ذلك البلد.
وستزداد معاناة اللاجئين في بلدان الجوار؛ لأن هذه البلدان في أغلبيتها الساحقة، لاسيّما لبنان والأردن ومصر والعراق وغيرها، غير موقعة على اتفاقية حقوق اللاجئين، وإن وقّعت فهي لم تصدّق، لاسيّما حين تتغلب الاعتبارات السياسية والدينية والمذهبية والإثنية، الأمر الذي يحرم هؤلاء من الحقوق التي تترتب على اللجوء القانوني، ولهذا ستتفاقم مشكلة اللاجئين في هذه البلدان إنْ لم تجد حلولاً ناجعة.

 

drshaban21@hotmail.com

- See more at: http://www.alkhaleej.ae/supplements/page/8f7cfba4-9b3a-4030-86dc-6da74a3...