دول العالم من الطرفين، المتقدم والنامي، تراعي توازنا بين حقوق المواطن وحق الوطن: الأول في ضرورات توفير الأمن، وسيادة القانون، والعدالة، والخدمات الاجتماعية، من صحة وتعليم واسكان وتثقيف وترفيه، كما هو مطبق في العالم الواسع. وحق الوطن في أن ينهض المواطن بواجبات المواطنة من استعداد للدفاع عن الوطن وما يلزمه من تطوع، وتقبل التضحية بالروح والمال، وأثقال الضرائب، ومضايقات تطبيق القانون، واحترام حق الآخرين، والامتثال لاملاءات الكفاءة في التفوق والقيادة والولاء الصافي لخريطة الوطن وتربته.
هكذا يسير العالم عبر حكومات تتولى تنظيم حياة الشعوب على أساس المساواة، ووفق نظام داخلي يلبي ما تستطيع الدول تقديمه لمواطنيها ويحقق لهذه الحكومات الآليات التي تتيح لها القدرة على أن تحكم، بما في ذلك السيولة المالية التي تهيئ للوطن الصرف على حاجيات المواطن.
عاش مواطنو دول مجلس التعاون في سخاء الوطن الذي ليس بحاجة إلى ضرائب، ولا يلجأ إلى اجراءات التضييق عليهم، ويعطي بأرخص الأسعار، ويقدم أفضل الخدمات، بما فيها منحة الزواج وأرض ومسكن وقرض بناء، مع نظام ريعي غير مسبوق في تصنيفات الدول.
ولأن دول الخليج لم تنجح في تنويع مصادر الدخل، واعتمدت كليا على دخل النفط الذي أعطى سيولة مالية أتخمت محفظة الدول وحافظت على فائض أتاح لها الانطلاق السياسي والاستراتيجي في الفضاء العالمي.
فجأة وقفت دول المجلس على حقائق النفط باعتباره سلعة تتغلغل السياسة في حياتها؛ بسبب إرادة الدول المتقدمة في رفض الاعتماد على مصدر يأتي من منطقة متقلبة غير مستقرة، وأنظمة تتعرض لضغوط راديكالية متنوعة من اسلامية وعرقية وأيديولوجية. وعندما تبدأ دول الخليج في ترشيد الانفاق وتصويب مسار الاقتصاد، فإنها تعود وتكتشف واقعها الحقيقي الذي كان يتستر وراء الفائض النقدي.
دول الخليج مثل غيرها من الدول النامية، اقتصادها غير النفطي ضعيف، لا تملك موارد طبيعية من ماء وزراعة، وليس لديها قاعدة صناعية وطبقة متخصصة ومتطورة من قطاع المجتمع، وليس لها مساهمة في الابداع التكنولوجي والانساني الذي غيّر العالم. 
كنا في الأمم المتحدة في فترة السبعينات نتحجج بأن دول الخليج تملك سيولة فقط لكنها فقيرة، كنا نقول إن الكويت وغيرها تملك فائضا نقدياً وغير ذلك لا شيء فيها يضمن لشعبها حياة مستقرة، وكنا نجادل وبقوة حول الفرق بين التقدم الاقتصادي الموجود لدى أوروبا مثلا والمعتمد على قواعد صناعية وزراعية وبشرية، وبين دول الخليج صاحبة الفائض النقدي، لكنها فقيرة في كل شيء آخر، وكنا نميز بين دول الكاش الخليجية والدول المتقدمة، فنحن فقراء وفق عناصر التقدم المعتمدة في الأمم المتحدة. 
واقع الخليج اليوم مرآة تعكس حالته التنموية كمجموعة لا تختلف عن الدول النامية الأخرى في أفريقيا وآسيا، لأن سلطة الكاش التي حسنتها وأدخلتها في صالون النفوذ والسلطة العالمي، أخذت في التآكل وفي طريقها للانخفاض. 
الجدل الجاري الآن في الحراك الاجتماعي خليجيا هو تأثير صدمة المفاجأة التي هزت الحالة الذهنية المعتمدة على فائض تسيد حياة كل أفراد المجتمع الخليجي. في هذا الفصل التاريخي في حياة الخليج، لا مجال للتردد في رسم واقع اقتصادي مختلف عن حياة الأمس، هنا نفتح ملف حق الوطن الذي أوفى بحق المواطن، ولم يكلفه بأي عبء ولم يثقل عليه، ولم يطلب منه ما تطلبه الدول الأخرى من مواطنيها، الآن حان وقت خطوات مؤثرة لا تسمح بالتردد في تصويب واقع الفائض الذي بدأ ينحسر.