" كل شيء لنا ... ولا شيء للغير" !!            

إرهاب القوى الكبرى بات يهدّد السلام والوجود الإنساني العالمي خاصّة في النصف الجنوبي من الكرة الأرضيّة (دول العالم الثالث)!هناك فجوة عظيمة ظالمة بين الشمال والجنوب ( المتقدّمة والنامية ) ! الإختلافات بينهما ظاهرة مؤكّدة في القيم الحضاريّة ووسائل العيش والقدرة على البقاء التي انعكست في فشل محاولات فرض عمليّة الأخذ بالعولمة والديمقراطيّة والليبراليّة الإقتصادية على الدول الضعيفة ! الدول الفقيرة باتت   تتعذّب وتحتضر ومنها يموت بسبب من الضغط السياسي والإقتصادي والمالي والتدخّل السافر في شؤونها السياسية والإجتماعية – الإنسانيّة في جانب القيم وسبل العيش! القوّة العسكريّة الغاشمة السافرة المعربدة في السماء وعلى الأرض وهيمنة الشركات الكبرى العابرة للقارات والمؤسّسات المالية العظيمة وإمبراطوريّات الطاقة والصناعة والتجارة والخدمات خير مثال على ذلك ! خنق الدول الضعيفة سياسيّاً وإقتصاديّاً ومالياً قاد الى خنق سبل العيش الكريم وإفقار عموم الناس ودفعهم للشعور بالغربة والإغتراب فاليأس والإحباط وطلب الموت في صور شتّى لكونه يمثّل الخلاص من عذابات متّصلة لا ترحم ولا أمل في توقّفها ! طلب الحياة والرغبة في العيش يرتكز على ما يتوفّر للإنسان من سبل تؤدّي به الى عيش كريم فتجعل الحياة نعمة وهدف ! الولايات المتّحدة الأمريكيّة في مقدّمة القوى المتغطرسة التي يعمل منظّروها وقادتها ليل نهار بجعلها " سيّدة السماء والأرض والبشر " !العديد من  القيادات الأرستوقراطيّة السياسيّة للولايات المتّحدة الأمريكية يفكّرون ويعملون في إطار عقيدة راسخة مفادها بأن أمريكا لوحدها تمتلك الرؤية الشاملة البعيدة المدى والقوّة والقدرة المطلقة التي لا يمتلكها الغير سواء على المستوى المحلّي أو الخارجي للدول الأخرى! حول ذلك لنستعرض بعض من نماذج التفكير والإعتقاد : 

 

في 19 / 9 / 2002 ، أصدرت وزارة الخارجية ورقة بعنوان " إستراتيجيّة الأمن الوطني للولايات المتّحدة الأمريكيّة " جاء فيها : " إن صراع القرن العشرين الذي كان بين الحريّة والديكتاتوريّة قد إنتهى لصالح قوى الحرّية وهيمنة وديمومة نموذج الديمقراطيّة وحريّة القطاع الخاص.. وإن أمريكا تشكّل المركز العالمي للقوة مدعمة من حلفائها الغربيّين " !! مادلين أولبرايت وزيرة خارجيّة الرئيس بل كلنتون عكست جوهر الإستراتيجية الأمريكية بالقول " أن الولايات المتحدة الأمريكية تقف أطول من الغير ...لذلك ترى أبعد من الغير"!

 

العديد من المفكّرين العاملين في صناعة القرار الأمريكي يعتقدون ويعملون على " أن تكون أمريكا قوّة لا تضاهى .. وأن تستخدم قوّتها في القضايا الكبرى الجيّدة .. لأن ما هو جيّد لها فهو جيّد للعالم أجمع "!؟! من أقوال بعض من النخب الأرستقراطية الأمريكيّة : " أن الكذب ليس بالضرورة أن يكون سيئاً ... فالكذب قد يصلح أن يكون  وسيلة لتنفيذ سياسة مؤثّرة " ! قول كهذا يسترشد بنصيحة إفلاطون النبلاء ذوي الأرواح الذهبيّة بالكذب النبيل ونصيحة شتراوس بإستخدام الأكاذيب خدمة للمصالح الوطنيّة " !!؟؟ في الجانب التطبيقي لرامسفيلد / وزير الدفاع الأمريكي قول مفاده : "بإن الإستراتيجية العالمية يمكن تحقيقها بشكل تدريجي من خلال إستخدام قوّات فاعلة تعمل بهدوء ويمكن تجربة ذلك في أفغانستان أولاّ ومن ثم العراق ؟! في إطار ذلك قيل " إذا أردت حرباً .. عليك تسويق عقيدة لكونها تنفذ للنفوس فيخون الفرد نفسه بنفسه بالرغم من أن العقيدة التي يراد تسويقها غير صحيحة " / أمثلة ذلك كثيرة منها تسويق كذبة أن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل وله علاقة بتنظيم القاعدة !! إعتقد الصقور المحافظين الذين عملوا على غزو العراق واحتلاله " أن النصر السريع سوف يدفن الحقيقة والشكوك والأخطاء "! كل ذلك كان محض إفتراء على حقيقة  " أن الغطرسة وسوء النوايا قادت الى قصور في الرؤيا والتصوّر وفساد الفعل وبالتالي الفشل ( خليج الماعز / 1995  و  غزو العراق/ 2003 )!

 

بول ولفوويتز كان له الباع الأكبر فيما جرى من أذيّة  للعراق نظراً لآراءه الراديكاليّة ! في إجتماع له مع مجموعة من الخبراء لبحث سبل الخروج من مستنقع العراق إقترح  قائلاً " لماذا لا نقوم بإعادة رسم مناطق ومحافظات العراق من جديد "؟! ردّت عليه برباره بودن ( سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية في اليمن آنذاك ولها دراية جيدة بالعراق ) قائلةً :

 

" أنظر الى شبكة الطرق في العراق ... هكذا نشات عبر قرون من الزمان .. هكذا يرى العراقيّون أنفسهم "!  بعد عودته من بغداد في 27/7/ 2003 أعترف بول ولفوويتز في مقابلة تلفزيونيّة "بأنّنا أخطأنا وارتكبنا أعمالاً غبيّة " !!!

 

على دولنا أن تتّعض  بما قيل ويقال وبما جرى ويجر

ي اليوم ... يجب ان نتعلّم كيف نحافظ على سلامة أوطاننا من جهل أنفسنا ومن ظلم وطمع الغير.. يجب ان تكون أهداف سياساتنا الخارجية نابعة من المصالح الوطنيّة الحقيقيّة لدولنا ! أن تكون الدبلوماسيّة الوسيلة الرئيسيّة في صياغة تلك السياسات والعلاقات ! أن يؤخذ بنظر الأعتبار وبشكل خاص وجهة نظر الدول الأخرى في قضايانا  المطروحة! قبول مبدأ التوافق في  القضايا التي لا تشكّل تهديدا حقيقيّا على مستقبل بلداننا !

20 / 12 / 2016