شكّل القرار غير الملزم للبرلمان الأوروبي بتجميد مفاوضات انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي بأغلبية ساحقة (479 صوتاً مؤيداً ضد 37 صوتاً معارضاً) وجاء هذا القرار بسبب الإجراءات الأمنية المشددة وحملة الاعتقالات التي اتخذتها حكومة يلدريم عقب الانقلاب الفاشل الذي جرى في الخامس عشر من يوليو الماضي والذي كانت ليلته من أصعب الأحداث التي مرت بالمشهد التركي، وكانت فاصلة بين الاستقرار والنمو وبين خط الفوضى الأمني الانقسام في المجتمع التركي، وقد أيد كل الشعب الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الحكومة لإنقاذ مؤسسات الدولة التركية من التخريب ومن الانهيار واستطاع وعي الشعب مع حكمة وحزم الحكومة من تخطي التداعيات الخطرة المرسومة لهذا الانقلاب الحاقد والمنفذ من منظمة كولن الأرهابية من خارج الحدود التركية.

وقد وصف الرئيس أردوغان القرار الأوروبي بأنه (بلا قيمة) كما عارضته مسئولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيدريكا موغريني ووصفته بأنه غير إيجابي لكلا الطرفين ودعت الاتحاد لمواصلة الحوار المفتوح مع تركيا....

ماراثون التفاوض الأوروبي التركي طويل جداً ففي عهد الرئيس الراحل عدنان مندريس عام 1959م تقدمت حكومته بطلب الانضمام لما يسمى آنذاك بالتجمع الاقتصادي الأوروبي وتوقفت المفاوضات في عام 1960م بسبب الانقلاب العسكري الأول بقيادة الجنرال جمال كورسيل وكانت مرحلة صعبة في الحياة السياسية التركية.. وأعيد مسلسل المفاوضات بالحركة في 1963 م حتى يومنا هذا أي لأكثر من نصف قرن دون فائدة واضحة لتركيا إلا المنافع التجارية لمشاركتها باتفاقية التعرفة الجمركية الموحدة للاتحاد الأوروبي!!

وقد يتساءل الكثيرون عن سبب الإصرار التركي في طرق الباب الأوروبي المتكرر دون ملل لهذه المدة الطويلة ولازال منتظراً الرد عند بوابة النادي الأوروبي دون حسم نهائي.. وقد أستطيع بإيجاز الفوائد المرجوة من دخول تركيا للمجتمع الاتحادي الأوروبي في نطاقها السياسي والاقتصادي والأمني فتركيا في وضعها الاقتصادي القوي والذي يحتل المرتبة الثالثة بعد ألمانيا وفرنسا ويعتبر الاتحاد الاوربي أكبر الشركاء التجاريين والاستثماريين لتركيا وتشكل تجارة تركيا مع دول الاتحاد نسبة 40% من تجارتها الخارجية وبلغت نسبة الاستثمارات الأوروبية في الاقتصاد التركي حداً عالياً يصل الى 64%..كما يشكل تدفق الطاقة العابرة للأراضي التركية لأوروبا مردوداً عالياً للاقتصاديات المشتركة بين تركيا ودول الاتحاد الأوروبي، ومن جهة أخرى ستدخل العمالة التركية المتدربة لسوق العمل الأوروبي ويحصل على خبرة عالية وأجور مشجعة مما يعود على الصناعة التركية بالمهنية الحديثة ويخفض من معدلات البطالة داخل تركيا ويمنحها فرصا جديدة في تطوير صناعاتها الوطنية وتتفتح أسواق واسعة أمام المنتجات الزراعية والصناعية التركية في أسواق دول الاتحاد الأوروبي علاوة على الدعم السياسي والأمني الذي سيضاف للقرار السياسي التركي حال تمتعه بالعضوية الكاملة في منظمة الاتحاد الأوروبي واحتلاله للمقعد رقم 29 للدول المشكلة لمجلسه التأسيسي..

إلا أن هذا الحلم الطويل بدأ يمحيه ضوء الرفض الأوروبي المتكرر كما بينه الاستفتاء الشعبي في الدانمرك وفرنسا بعدم الترحيب بتركيا في البيت الأوروبي ويقابله نفس الشعور اليائس لدى الشعب التركي مما دعا الرئيس أردوغان للدعوة لإجراء استفتاء شامل في تركيا لتحديد القرار في الاستمرار بالتفاوض من عدمه، وعلى ضوء ذلك يتحدد مستقبل العلاقة مع الاتحاد الأوروبي كما لمح الرئيس أردوغان بالتحول الى منظمة شنغهاي للتعاون بديلاً حقيقياً لمحاولاتها الطويلة للانضمام للاتحاد الأوروبي وشكل هذا المطلب التركي فقرة رئيسية في أجندة المباحثات التركية الأوزبكستانية أثناء الزيارة الأخيرة للرئيس أردوغان لباكستان وأوزبكستان في بداية الشهر الحالي، ومن الجدير بالذكر أن منظمة شنغهاي للتعاون تضم دول روسيا والصين وأوزبكستان وكازاخستان وطاجيكستان كأعضاء دائميين والهند وباكستان كعضوين مراقبين ورحبت الصين برغبة تركيا للانضمام لتحالفهم التعاوني على لسان الناطق باسم الخارجية الصينية وأن الأبواب مفتوحة لمشاركة تركيا لمنظمة شنغهاي للتعاون!!!

إن الأيام القليلة ستظهر اتجاه البوصلة التركية غربياً أم شرقياً وتحدد المحطة الأخيرة لمستقبل اقتصاديات تركيا بين بروكسل وشنغهاي....!!