تحاول القوى المضادة للنظام الإسلامي الليبرالي المشترك الذي يمثله حزب العدالة والتنمية في تركيا منذ فوزه بالأغلبية البرلمانية بممارسة ديمقراطية نزيهة وبعملية انتخابية شفافة، خلق أزمات، وقد برزت شخصية الرئيس رجب طيب أردوغان الرمز التركي الوطني، فتحاول بعض التيارات الأوروبية ومن داخل الاتحاد الأوروبي خلق أزمات بين تركيا وبعض الدول الأوروبية باستغلال الملف الأرمني كأداة ضغط وابتزاز بالتهديد بإصدار قرار إدانة برلماني يدعم ويؤكد عملية الإبادة الجماعية للشعب الأرمني في العهد العثماني عام 1915م، وكان آخرها قرار البرلمان الألماني وبأغلبية ساحقة بإدانة مقتل بعض الأرمن أثناء الأحداث العسكرية في الحرب العالمية الأولى، وجاءت ألمانيا في التسلسل السابع والعشرين في جدول الدول التي صوت برلمانيوها بإدانة السلطنة العثمانية تحت ما يسمى الإبادة الجماعية. وتعيش الآن العلاقات التركية الألمانية حالة من التشنج العلني مع احتجاج أكثر من مليوني ألماني من أصل تركي على هذا القرار الذي اعتبرته أنقره تدخلاً غير عادل في شؤونها الداخلية وتشويها متعمدا لتاريخ السلطنة العثمانية، وكل هذا بسبب الموقف الجاد للرئيس أردوغان من قضية تعويض المهاجرين لدى تركيا، وعدم إجراء أي تعديل لقوانين مكافحة الإرهاب المنفذة في تركيا، ودخلت الحكومة الألمانية في حرج كبير لإثارة الإعلام التركي لتاريخها النازي المتهم بالإبادة الجماعية واللاإنسانية في العهد الهتلري... وللأسف، هذا الاتجاه في الإدانة الأوروبية المستفز لتركيا والمتجه إلى جانب واحد من دون الأخذ بنظر الاعتبار الدفاع التركي عن رفض مسمى الإبادة الجماعية وتأكيد المصادر التاريخية لمجرى أحداث ووقائع هذه القضية غير الموثقه والتي تخص تاريخ الشعب الأرمني الذي كان يشكل المكون القومي ضمن المكونات الأخرى للشعوب والأجناس المؤلفة لشعوب السلطنة من عرب وألبان وأكراد وبلغار وشركس وبلقان وأتراك والمتوحدة باندماجها في بوتقة شعب واحد ممثلاً للسلطنة العثمانية.

العلاقات العثمانية الروسية مرت بحالات عديدة وضعت بصمتها على الحركات الأرمنية ضد الإمبراطورية العثمانية وتحريضها لهم للعصيان المستمر ضد السلطة العليا في إسطنبول وأثرت حالات التوتر العديدة في هذه العلاقات ويسجلها بوضوح التاريخ السياسي للشعبين وقد تكون روسيا من أكثر الدول المؤثرة في إضعاف السلطنة العثمانية بحروب مترادفة أفقدتها الكثير من قوتها وتسببت في تحميل الخزينة العثمانية بالديون الدولية والشعب الأرمني الذي تركزت أغلبيته الديموغرافية في شرق الأناضول عند الشريط الحدودي مع روسيا القيصرية شكل وجوده خطاً نارياً ملتهباً بين البلدين الجارين وللرغبة الجامحة لدى القوميين الأرمن بتشكيل الدولة الأرمنية والانفصال عن السلطنة العثمانية والتي أعلنها الأسقف الأرمني موستش والذي بشر بقرب قيام الدولة الأرمنية في شرق الأناضول العثماني، ولذا تحالفوا مع كل أعداء السلطنة العثمانية وشكلوا جيش التحرير الأرمني بشقيه الطاشناق والبوشناق وحالفوا الجيوش الروسية القيصرية في كل حروبها ضد السلطنة العثمانية وكان أقساها مشاركتهم مع الروس في حرب القرم التي خسرت فيها الدولة العثمانية العديد من جنودها وأدت إلى ضياع مدن احتلها الجيش الروسي بمساعدة الخدمات الاستخباراتية المقدمة لهم من القوات الأرمنية وأسند الروس لبعض الضباط الأرمن مسؤولية الإشراف على أجهزة الأمن واستغلها هؤلاء الضباط الأرمن المتعطشون للانتقام من العثمانيين ونفذوا حملات تعذيب وقتل لكل سكان تللك البلدات العثمانية من المسلمين وفي هجوم مضاد استطاع الجيش العثماني استرجاع مدينة قارس من احتلال القوات الروسية ومنعت القوات العثمانية عساكرها من أي صنوف الانتقام مع الأسرى الروس والأرمن تقيداً بمبادئ الدين الإسلامي!!

ومن المؤشرات الأكثر تأثيراً في الصراع العثماني الأرمني محاولة اغتيال السلطان الصالح عبدالحميد الثاني عام 1905م حيث اشترك الأرمني كريستوفر ميكاليان مع البلجيكي أدوارد جوريس في صنع قنبلة زنتها مائة كيلو غرام من المتفجرات والحديد وزرعها في عربة السلطان في أثناء صلاة الجمعة والتي تقام في جامع يلدز القريب من قصر السلطان والذي يحمل الاسم نفسه ووقت انفجارها بعد نهاية الصلاة بدقائق ولكن إرادة الرحمن سبحانه حمت السلطان من هذه المؤامرة اللاإنسانية باعتراض شيخ عجوز برفقة شيخ الإسلام طريق السلطان وأوقفه لطلب خاص وطالت مدة الحديث بين السلطان والشيخ وانفجرت القنبلة أثناء فترة التوقف هذه ونجا السلطان وقتل الكثير من المصلين خارج الجامع وحكم الجناة بالإعدام بعد اعترافهم في المحكمة التي حضرها السفير البلجيكي في إسطنبول وقد استجاب السلطان عبدالحميد لشفاعة والدة المجرم البلجيكي جوريس ومنح والدته منحة نقدية مناسبة وسمح له بمرافقتها خارج إسطنبول وقابل البلجيكي عفو السلطان بالوفاء للسلطنة العثمانية وأصبح من عيونها في أوروبا!!!

ملف القضية الأرمنية مليء بالأحداث الدموية المتقابلة بين الحركة الثورية الأرمنية وقوات السلطنة العثمانية وليس من العدالة والإنصاف التحيز نحو جانب دون آخر والنظر إلى الشعب الأرمني على أنه الضحية البريئة، وإلى العثمانيين على أنهم المتوحشون القساة، وإلى الأحداث الدموية المتبادلة بينهما على أنها حملة متعمدة من أشكال الإبادة الجماعية، طرفها العثمانيون وحدهم!!

ففي الحروب لا بدَّ من سقوط ضحايا لكسب النصر فكل حدث دموي يقابل برد فعل أقسى وأشد ويؤكد المؤرخ الأمريكي جستن في كتابه (الطرد والإبادة) أن هجمات الأرمن على السلطة العثمانية لم تؤخذ بالحسبان. أما ردة الفعل الانتقامية للعثمانيين ضد الأرمن فهي التي يسجلها المؤرخون الأوروبيون والتي تحولت بفضل نقلهم التاريخي من جانب واحد فقط حالة، مأساوية وتصوير العثمانيين بالتوحش مما يزيد حالة الانتقام والكراهية المستمرة التي تغذيها القوى اللاعقلانية في العالم.. وبين البروفيسور رفيق طوران رئيس مجمع التاريخ التركي وأستاذ كرسي الاقتصاد في جامعة (أولو داغ) أن قضية وتاريخ الشعب الأرمني أصبحت أداة تستخدم للضغط على تركيا الحديثة في المحافل الدولية وتحولت إلى شعارات انتخابية لجذب أصوات الناخب الأرمني في أمريكا حتى أن الرئيس أوباما استخدم عبارة «ميدس يغيرن» بحملته الانتخابية ونطقها باللغة الأرمينية والتي تعني (الكارثة الكبرى).

ملف أحداث ومآسي الحرب العالمية الأولى شملت كل شعوب المنطقة من عرب وأكراد ودول البلقان وأذربيجان وكل دول آسيا الوسطى وشمال إفريقيا ومنهم أيضاً الشعب الأرمني والذي يضم تاريخ قضيته أكثر من عشرة مجلدات تحتوي على الوثائق والمستندات الموضحة لملابسات هذه القضية الإنسانية التي تحملت تركيا وحدها تهمة أعبائها وتأتي مقبرة (زيوا) في ولاية «وان» جنوبي شرقي تركيا شاهداً على قتل 2500 مدني عثماني على يد جيش التحرير الأرمني عام 1915م أثناء الحرب العالمية الأولى ودفنوا بشكل جماعي في هذه المقبرة. الإسلامية، وقد طالب الرئيس أردوغان كشف محتوياتها للرأي العام الدولي للحكم على نتائج البحث وتحديد من يتحمل مسؤوليتها. وشهد عام 2009م تحولاً مهمًّا في سجل العلاقات الثنائية بين الجانبين التركي والأرمني بتوقيع بروتوكولين في زيوريخ السويسرية من أجل إعادة العلاقات الدبلوماسية وتطويرها وتشكيل لجان مشتركة من أجل دراسة علمية ومحايدة للوثائق التاريخية والأرشيف العثماني والأرمني لزرع الثقة المتبادلة بين الطرفين وتحديد الحدود المشتركة وفتحها أمام رعايا البلدين واتخاذ خطوات جادة لتطبيع العلاقات الثنائية.

وصادق البرلمان التركي على البروتوكول إلا أن المحكمة الدستورية في جمهورية أرمينيا رفضت المصادقة عليه بحجة أنه لا يتماشى مع نص الدستور وروحه بحسب الفقرة التالية بنصها: «لا بد من مواصلة الجهود من أجل القبول بالإبادة العرقية في الساحة الدولية» والذي ينص أيضاً على أن شرق تركيا بأكمله يمثل الوطن الأرمني الأم!

تركيا في عهد حزب العدالة والتنمية تسعى في مد جسور المصالحة وحسن الجوار على أساس تبادل الثقة والاحترام بين جمهورية أرمينيا وتركيا وقد قام الرئيس السابق عبدالله كول بزيارة خاصة ليريفان عاصمة أرمينيا ولحضور مباراة كرة قدم وأيضاً زارها البروفيسور أحمد داؤد أوغلو وصرح قائلاً (من أجل الوصول لصيغة انسانية وعادلة للقضية الأرمنية بأسلوب بعيد عن أحادية الجانب ولا يمكن صياغة التاريخ إلا عبر ذاكرة عادلة).

وبدوره أعرب الرئيس أردوغان عن تعازيه لكل مواطني السلطنة العثمانية الذين فقدوا حياتهم إبان الحرب العالمية الأولى، وعلى رأسهم الشعب الأرمني ووجه إليه رسالة سلام ومصالحة عام 2014م.

أنا أحترم كفاح الشعب الأرمني من أجل اختيار الطريق المناسب لإيجاد وطن قومي له يجدد تاريخ الدولة الأرمنية الأولى والتي كان لها من الحضارة والأمجاد الطويلة. في آسيا الوسطى ومع اعلان الجمهورية الأرمنية على ترابها الوطني تركت بصمة حضارية مميزة تتمثل بنخبة عالمية من المبدعين والمخترعين ورجال الدولة يمثلهم الدكتور الشهير مخيتار هيراتسي والمهندس هوفانس أداميان مخترع التلفزيون الملون وأرتم ايفانوفيتتش مصمم طائرات الميج المقاتلة المشهورة وأنستاس ميكويان رئيس مجلس السوفيت الأعلى ولوثر جورج سمجيان مخترع الصراف الآلي وألة الأشعة السينية الملونة والملحن الشهير شارل أزنافور ودارون أسيتموغلو الحائز لجائزة نوبل وغيرهم الكثير من المتميزين الأرمن.. ولكني أتأسف على اللوبي الأرمني المؤثر في أمريكا وأوروبا أن يعرض قضية وتاريخ شعبه في بازار المصالح والمزايدات الدولية من أجل الحصول على ثمن لهذه المأساة الإنسانية عبارة عن تعويضات مادية تلزم الدولة التركية بها وأن تكون أداة تشويه دولية لتاريخ آخر دولة للخلافة الإسلامية وتجيير الأحداث الدامية والثأرية لتركيا وحدها شعباً وحكومةً ورمزاً.