في حديثه الأخير مع رؤساء تحرير الصحف الكويتية، وفي سؤال من أحدهم عن موقف الكويت واحتمالات بذل المساعي الحميدة بين المملكة العربية السعودية وإيران، كان رد سمو الأمير حاسماً وحازماً بأن أمن الخليج لا يتجزأ، وأمن الكويت يتداخل مع أمن المملكة، فلا مكان للتخمين ولا مجال للتنقيب عن موحيات يستنتج منها أي طرف تهاوناً في موقف الكويت.
بعد هذا الوضوح لا مجال للاجتهادات في تفسيرات تتحدث عن التوازن التقليدي الذي ارتبط بالكويت، واستشعار الاشتياق لنهج الوساطات القديم، الذي كانت تتحرك فيه الكويت دائماً، بحثاً عن آليات تطفئ حرائق المنطقة، ولا مكان لاستفاضات أكاديمية عن حكمة التوازن، ونظراً لضيق المساحة أبدي الملاحظات الآتية:
أولاً - تهدف سياسة إيران إلى تحقيق اختراق يمكنها من استضعاف صلابة وحدة المواقف الخليجية مع المملكة العربية السعودية في الدفاع عن أمنها، وفي إدارتها للتصدي لحملة الحوثيين وتمردهم في اليمن، كما تهدف سياسة إيران إلى رسم وضع يوحي بالاختلال في القناعة الخليجية الجماعية في دعمها للرياض، وانطلقت تلك الحملة الدبلوماسية الحامية، مرددة حسن النوايا الإيرانية، مملوءة بعذوبة التعبير وتحريك مشاعر النخوة السياسية الإسلامية.
ولحسن الحظ، فإن البيانات التي أصدرتها الخارجية الكويتية تحمل التأكيد على دعم الكويت للموقف السعودي من دون لبس أو إبهام. 
ثانياً - يشكل مجلس التعاون الحضن الإقليمي الاستراتيجي للأمن الكويتي، والوعاء الحامل لهموم الكويت ترجمة لجماعية الأمن الخليجي، كما حددتها استراتيجيته الموحّدة التي أقرها القادة وهي عقد ملزم مهما كانت تبعاته، ولا مكان هنا لتفسيرات توحي بالتردد والتذبذب في حسم المواقف.
ثالثاً - نجح مجلس التعاون في تشييد حصانة أمنية عالمية جماعية في تأكيد التزام الشركاء وهم الحلفاء في الاستراتيجية، في تأمين الاستقرار والحفاظ على سلامة الدول ووقاية استقلالها وهويتها بالحدود المعترف بها دولياً، وشكّل ذلك رادعاً فعّالاً لأطماع الجوار ومغامرات الاستبداد، كما نجح المجلس في ربط هموم الأمن الخليجي بتلاقي المصالح وتشابه الأهداف مع هؤلاء الحلفاء، وهذه الأهداف هي انعكاس لميثاق الأمم المتحدة وما تجسّده من مبادئ ومفاهيم. 
نجاح مجلس التعاون في توطين أمن الدول الأعضاء ضمن استراتيجيات الدول الكبرى يعزز اطمئنان الكويت على أمنها واستقرارها وحماية سيادتها.
رابعاً - تتواصل الكويت دبلوماسياً مع دول العالم بمقاييس تتطور وفق المستجدات العالمية ووفق قاعدة جني المكاسب والنأي عن الانزلاق في الأزمات، وتتحرك هذه الدبلوماسية من دون كوابح أيديولوجية تحد من فعاليتها، كما تعمل في إطار تعاقدي خليجي تراعي بنوده، وأبرزها ضرورات التضامن الخليجي الجماعي.
خامساً - نحن في عالم انتكست فيه الأيديولوجيات وتبخرت فيه الشعارات وانطفأت فيه زعامات كونت لها مكاناً بالاستبداد، لكنه يظل يعاني من عدم وضوح الوضع الذي سيأخذه شكل الخريطة التي ستتكون بعد زوال الارتباك الأمني والسياسي، ليس في المنطقة وإنما في هذا الكوكب، فما زال لدينا ارتياب وشك في مواقف غامضة متقلبة نتابع توظيفها في الأزمة السورية التي تزداد تعقيداً. 
كل هذه العناصر تدفع الكويت وغيرها من دول الخليج نحو ترسيخ الأسس التي يقوم عليها مجلس التعاون، وتمتين الترابط سياسياً وأمنياً واقتصادياً، في انتظار التطورات السياسية والإنسانية التي تقضي على ما يتبقى من أنظمة مارقة دمرت هذه المنطقة وتسيدتها منذ الخمسينات.

http://www.alqabas.com.kw/Articles.aspx?ArticleID=1135547&isauthor=1