المواقف والقرارات السياسية العربيّة الداخلية والخارجية تتّسم بكثير من التناقض والاختلال والاختلاط وغياب الحكمة وقلّة الالتفات للعواقب ولما يترتب عليها من نتائج في المستقبل، وهي عصيّةٌ على الفهم والاستيعاب والتفسير.
إنّها مواقف وقرارات تثير الدهشة والحيرة وتجعل الحليم حيرانا والحكيم في شكّ من كلّ ما يحيط به. ومع أن هذه السياسات والمواقف والقرارات قد أثبتت فشلها إلاّ أنّ صانعيها ما زالوا مصرين على الاستمرار فيها والتشبث بها ومحاولة إقناع العوام بها.
إنّ السياسات التي لا تراعي مصالح الأمّة قريبة المدى ومتوسطة المدى وبعيدة المدى هي سياسات محكومٌ عليها بالفشل، وبالرغم من كثرة ما ألفه العلماء العرب قديماً وحديثاً في علم السياسة وأصولها وما خلّفوه من نظريات في السلم والحرب والصداقة إلاّ أن تلك المؤلفات كانت وما زالت في واد والواقع في وادٍ آخر غير ذي زرع.
إنّ السياسة العربيّة لا تستطيع التمييز بين الصديق والعدوّ ولا بين الصالح والطالح ولا بين الوطنيّ وغير الوطنيّ ولا بين من ينبغي مداراته والصبر على أذاه ومن ينبغي مواجهته واقتلاع أذاه. إنها سياسة أشبه بطبيخ الشحاذين لما فيها من ألوان وأصناف وتناقضات ومذاقات.
وأكثر ما يثير العجب في السياسات العربيّة أنّها قد تتخذ من الطرف ونقيضه صديقين أو خصمين والأمثلة على ذلك لا تحصى، كما أنّها سياسات لا تراعي الأولويات في الصداقة أو العداوة، فتجعل من حقّه الصداقة عدوّاً ومن حقّه العداوة صديقاً، ولا تعجز عن الدفاع عن كل ذلك.
قد يقولون لك إنّ ذلك مسلك دبلوماسي، بينما الدبلوماسية تقتضي غير ذلك، أي تقتضي السعي إلى تمتين الصداقة مع من حقّه أن يكون صديقاً، وتخفيف العداوة مع من حقّه أن يكون عدوّاً. كما أنها سياسة تجيد تضخيم الأمور الصغيرة والمبالغة فيها في مقابل التقليل من شأن الأمور الكبيرة والخطيرة.
إنّ السياسة الناجحة هي التي تتجنب بكل الوسائل الممكنة أن تواجه عدوّين أو أكثر في وقت واحد، بينما السياسة العربيّة سياسة تبحث عن أعداء جدد داخليين وخارجيّين، ولا تقدّر العواقب الخطيرة لذلك، إنّها سياسة تهرب من عدوّها الحقيقي المركزيّ لمواجهة أعداء وهميين من صناعتها.
وأخيراً فإنّ سياسة عربيّة لا تعترف بأهمية وحدة العرب ولا تسعى إلى تحقيقها هي سياسة فاشلة بامتياز.
salahjarrar@hotmail.com 
* يمنع  الاقتباس  او اعادة  النشر الا بأذن  خطي مسبق  من المؤسسة الصحفية  الاردنية - الرأي .

http://www1.alrai.com/article/761395.html